بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

رسالة لـطارق

رسالة لـطارق
" أيها الناس أين المفر ؟
البحرُ من ورائكم والعدو من أمامكم وليس لكم والله الا الصدق  والصبر "
مرت هذه الكلمات  بخاطري كزيت حار سُكِبَ على جراحي لتزيدها حرقةً وألماً ..مرت لتزرع على درب العمر خطاً فاصلا بين الحياة والموت ... مرت وانا أبحث عن وسيلة لإنقذ فيها ما تبقى مني بعد موت عائلتي جراء القصف ,مرت سريعاً ما بين قرار لركوب البحر والنجاة بالروح من هلاك واقع لا محالة والبقاء ما بين موت حتمي واندثار لتاريخ حافل بالنجاحات,  فما فائدة النجاح في غابة يذبح فيها الإنسان كالأضاحي ..وما فائدة النجاح في زمن يَئِدُ فيه العلم ويدفن بين أخبية الظلم ... ما فائدة النجاح أمام عقول أغلقت أذانها وجعلت من الموت شعاراً لها , قرار لابد منه ,هروب يحمل بين دفتيه الخطر الأكيد لكنه نداء الحياة من وهبني مقداراً من الشجاعة أثبت فيه إنسانيتي أمام غيلان العصر, أنه البحر من يستوعب ألمي ومن يسمع شجوني ومن سيحملني لشطوط أخرى على ترابها يسكن الأمل لنعيد بناء النفس بعدما أهدرتها الحرب,على ترابها يكمن الحل الأكيد, سرت للبحر وروحي على كفي.
مركب تكدس بالهاربين الى الحياة ,ونبض الأمل يخفق في قلوبهم,جلست أنظر في وجوه العابرين للنجاة وبين تقاسيم كل فرد فيهم خرائط وجع وهموم تركت خطوطها العريضة على ملامح الزمن وبسمة قُتلت في وضح النهار وهي تنشرُ أفراحها ذات يوم ... حلم بائد مازالت ذكراه بين أيديهم التي تحمل قسوة العيش وجثامين من راحوا ,نظرات زائغة  تتأرجح ما بين السلامة والمستحيل ترجو السماء شط آمان تمكث فيه بعيداً عن أي ظلم.
خرجنا ورائحة الوطن تملأ جيوبنا عشقا ,نستنشقها عندما يوجعنا الفراق, خرجنا نخبئ بين أزرارنا ذاكرة الطفولة وبيت تَحفه الأحلام ,خرجنا نحمل بين أيدينا حفنة تراب نسفها عند الحنين,خرجنا ومفتاح العودة مربوط بصرة كل واحد فينا ,
نظرةٌ نحو البحر, ثمة أمر بدا غريبا يناوش أفقٌا فارغاً من إحتمالات النجاة ويذهب بعيدًا نحو الخطر,غيمة سوداء تحمل سرًا ما وطيور خضراء تحلق بالأفق,صوت ينذر بعاصفة ستقلب  موازين الأمور ,هلع دب بالجميع , علت أصوات الإستغاثة في عالم مقطوع ونحو المجهول سقطت هوية الحياة ,ها هم شهداؤنا في البرالأخر يلوحون لنا بأيديهم مودعين تارة ومرحبين أخرى هم يعلمون بأننا قادمون ونحن لا نعلم ولانسمع سوى نداء الحياة,هم يعلمون بأننا سنهوي نحو المدن العبثية ,يعلمون بأننا سندفع لأرضنا جعبة من غياب لعلهم يستيقظون ذات صباح عندما تعلن الشمس حدادها بعد الرحيل ولربما تتغير الأحوال, أرتفع الموج وتحطم المركب وغاب الكل ,مؤامرة من الزمن تقلب المركب لتضيع أحلام الصغار وتنجو أحلام الكبار,سكتت الأنفاس وغرقت الأجساد وتفرقت نحو كل شاطئ لتترك للأرض والإنسان رسالة لطارق مفادها :
كان العدو خلفنا والبحر حلمنا وحتفنا ..ياطارق نعتذر لأننا لم نحرق مراكبنا كما أوصيتنا لانها الحياة والحياة نداء ولو فكرنا باحراقها لوجدنا الف يد تساعدنا لنحرقها ونحن على متنها فما أسهل الموت في بلادنا وما أرخص الإنسان ..لكنها مفأجاة القدر.. الغرق لا الحرق..لاتغضب لإننا خذلناك ,فلابد للمسكين أن يتمسك بقشة ولو كانت خاسرة... ياطارق سنثبت للحياة  بكل عفوية أن البحر أرحم بكثير من الذل والخذلان!!!!..
بقلم : منـال عـلان
9/9/2015